انتبهوا خدع مالية

بقلم : علي بن طلال الجهني

من أشهر الخدع المالية تأسيس شركات وطرح أسهمها للاكتتاب العام في أسواق مالية ملتهبة كما حدث في أواخر التسعينات من القرن الماضي من تأسيس شركات لا وجود لها إلا في منشورات تسويق أسهمها. كان أهم الاعتبارات لهذه الشركات، أن يزعم مسوقها أن لها علاقة، مهما كانت ضعيفة بالانترنت وما يتعلق به من برامج وصناعات كشبكات الاتصالات والألياف البصرية.

وحدث شيء مشابه، وبالطبع بدرجات أقل بمراحل، في سوق المال السعودية حين كانت أكثر أسواق المال الخليجية من حيث التصاعد المستمر في الفترة التي بدأت في عام 2003 وانتهت في عام 2006، حين كانت «لعبة الأسهم» تحقق أرباحاً خيالية للمؤسسين، الذين يحققون الأرباح بمجرد طرح الأسهم للاكتتاب العام. ولا حرج لأسباب مالية أو أخلاقية، إذ حقق المؤسسون الأرباح. مصدر الإشكال إذا باع مؤسس أو مؤسسون أسهمهم وفشل المشروع تجارياً وتورطت في ملكية هذه الأسهم أعداد كبيرة من المتداولين الذين وضعوا ثقتهم في غير محلها.

ومن لعب الأسواق المالية الخليجية أن يسيطر فرد أو بضعة أفراد من المضاربين على شركة لها نشاط محدد معروف. ثم يوظفون موجوداتها أو يرهنون أسهمها للمضاربة في بقية الأسهم. وهذا سيرفع أسعار الشركة التي يسيطر عليها المضاربون، ما دامت مستويات مؤشرات الأسواق في تصاعد شبه مستمر. وكثيراً ما تنهار مثل هذه الشركات بمجرد أن ينخفض مؤشر السوق لمدة أيام أو أسابيع في أحسن الأحوال.

وسبق الحديث أكثر من مرة في هذا الحيز عن كارثة الرهن العقاري وتوظيف أدوات مالية مستحدثة كـ «المشتقات» و «الخلط» و «الترقيع» ثم «التلصيق».

غير أنه توجد شركة أميركية ضخمة، كانت تقوم بشراء سندات قروض كثيرة متنوعة «بتقويم» أو «تقييم» منخفض، ما يقلل من سعر شراء الأوراق المالية لهذه القروض المتدنية في رتب التقويم بدرجات متفاوتة، ثم «تخلطها» وتصدر مقابلها «أوراقاً مالية» جديدة باسمها فتستفيد من سمعة الشركة الأم، ما يمنح أوراقها المالية مراتب أعلى في التقويم من المراتب التي تم بموجبها شراء سندات القروض المختلفة التي تمثل مديونيات شركات أضعف مالياً لسبب من الأسباب.

وحققت هذه الشركة الضخمة التي تتجاوز نشاطاتها الصناعية المتعددة الحدود الأميركية إلى معظم دول العالم في جميع القارات، نجاحاً مشهوداً في جميع المجالات بما في ذلك - وربما أهمها من حيث نسبة الربحية - ذراعها المالي. ولكن هذه المنشأة الاقتصادية الضخمة، والتي نادراً ما خيبت آمال حاملي اسمها، تعرضت اخيراً إلى انخفاض نسبة زيادة أرباحها، فانخفضت نسبياً أسعار أسهمها، لسبب واحد فقط، ألا وهو أزمة «الرهن العقاري».

وقبل أن نعود إلى كيفية تأثير انهيار السوق العقارية في تدني أرباح هذا العملاق الصناعي- المالي، يحسن إعطاء موجز عن هذه الشركة.

إنها شركة «جنرال الكتريك» الأميركية وليست البريطانية التي تحمل الاسم نفسه. وكما يعرف الكثيرون تتكون هذه الشركة من أقسام كثيرة، لعل من أشهرها قسم صناعة ماكينات الطائرات المدنية والعسكرية، وقسم صناعة المولدات الكهربائية وآليات محطات الطاقة النووية، وقسم صناعة الأدوات الطبية، وقسم صناعة الأدوات المنزلية «المعمرة» - أي ذات الأعمار الطويلة - كالثلاجات وغسالات ونشافات الملابس، والأفران بأنواعها كافة، وقسم صناعة الأدوات الكهربائية المعمرة والاستهلاكية، وغيرها الكثير.

وشركة «جنرال الكتريك»، أو اختصاراً «جي إي»، هي الشركة الوحيدة التي بدأت كإحدى الشركات التي تكون منها مؤشر «داو جونز» في أول أيام نشره في 26 أيار (مايو) 1896، ولا تزال بعد 102 سنة أحد مكوناته.

إذاًَ، أليس متوقعاً أن تتأثر نسبة نمو أرباح هذه الشركة سلبياً بانهيار سوق العقار وهي المصنعة الأهم لأكثر الأدوات المنزلية الثمينة والمعمرة في شمال أميركا.

قد يبدو أن صعوبات سوق العقار هي سبب تدني الأرباح، خصوصاً إذا عرفنا أن جميع المساكن الأميركية يتم تجهيزها بالأدوات المنزلية الكهربائية قبل بيعها، ولكن الحقيقة أكثر تعقيداً، لأن القوائم المالية لهذه الشركة، ومنذ فترة طويلة، تثبت أن ذراعها المالي الذي ابتدع قبل عقود، وقبل أن يسمع أحد بالقروض الثانوية، شراء الأوراق التجارية للقروض من مستويات متفاوتة من الجودة الأقل، وهي التي ابتدعت «خلط» قروض من جميع المناطق، وهي التي ابتدعت «الترقيع» بعد الخلط، وهي التي بدأت، بعد الخلط والترقيع، باصدار أوراق تجارية جديدة تحمل اسمها بحيث يصعب على المستثمرين في أوراقها التجارية ذات المراتب الأعلى في التقويم أصل منشأها.

أي أن شركة «جي إي» ذات النشاطات الصناعية المتعددة، هي أهم من ابتدع شراء أوراق مالية متدنية التقويم، ثم دمجها، وبعد ذلك بيع أوراق تجارية تحمل اسمها ذي التقويم المالي الأفضل، وبذلك اخترعت هذه الشركة ما صار معروفاً بـ «القروض الثانوية». ولذلك عانت ليس من سوء سمعة القروض الثانوية التي كان لها السبق في مجالها فحسب، وإنما أيضاً لأنها تاجرت كما تاجر غيرها من المؤسسات المالية الكبرى، في سوق «الرهون العقارية». والفرق بين الرهون العقارية، وهي قروض ثانوية، وبين ما كانت تسوقه وتبيعه شركة «جي. إي» من قروض ثانوية، هو أنها تعرف تماماً منشأ ما كانت تشتريه من غيرها وتخلطه وتسوقه تحت اسمها. أما الرهون العقارية فقد نمت وزادت بنسب كبيرة حتى تعذرت، في معظم الأحيان، معرفة ما يكفي عن منشأها.

اسواق عربية.